الدباغة
تعتبر الصناعة الجلدية من أقدم الصناعات بالمغرب، ومن أسسها وفرة جلود المعز والغنم وحتى البقر والتاريخ يشهد لمدينة تارودانت بشهرتها في مجال الصناعة الجلدية المعتمدة بالأساس على جلود ماشية المدينة و ضواحيها
وعلى بعض المواد الكيماوية كالملح و الشبة،كما يستعين الدباغون ببعض المواد النباتية لتلوين الجلود ،كأوراق الجوز و أركان و قشور الرمان ، ولقيت هذه الصناعة عناية فائقة من طرف السعديين،فقد تطورت التقنيات رغم بساطتها بسبب الاتصال بالعناصر الأجنبية الأندلسية و الشرقية بالخصوص ،فكانت صناعة الجلد مجالا لتفنن الصانع الروداني حيث تركز الدباغون في حومة خاصة بهم تسمى « دار الدباغة »وموقعها ظل الى وقت متأخر مجاورا لساحة »أسراك »من جهة الشمال ،و استفادت من قرب سوق الجلد منها ،فكانت بدلك تارودانت قبلة للتجار و الصناع على حد سواء يتزودون منها ب »البلغة »و الجلد المدبوغ.
مراحل الدباغة
يوضع الجلد في حوض كبير ويسمى عند الدباغين « بأزكي » قصد غسله لإزالة الأوساخ العالقة به في نفس اليوم الذي أوتي فيه الجلد مباشرة إلى المكان أي بعد وقت قصير من ذبح الذبيحة، أما إذا يبس الجلد فإنه يترك في أزكي ما بين يوم أو يومين وذلك حتى تتفتح تجاعيده ، فتسهل عملية إزالة الشوائب العالقة به.
ولتحقيق هذه الغاية يتم خلال هده المدة برد أو حك الجلد بقطعة حادة من الأجور ، بعد ذلك ينشر على « أحمال » وهو خشبة ينشر عليها الجلد ، حتى يقطر منه الماء ، وتسمى هده العملية ب » اشياح » ، بعد دلك يرمى الجلد في حوض فيه مزيج من الماء و الجير ويسمى هدا الحوض ب » امصرب » ، يوضع فيه حتى تتفتح طياته و تجاعيده لتسهيل عملية ازالة الشعر او الصوف في مرحلة قادمة .
بعد ذلك يرمى الجلد في القاطع ، وهو حوض فيه جير أقوى واكثر فعالية من جير أمصرب ، ونظرا لقوة فعاليته فان الجلد تتم ازالته بعد كل مدة قصيرة ، ويجفف باليدين ثم يعاد رميه مرة أخرى و دلك حفاظا على سلامته، ولكي لا تظهر عليه بقع فاسدة ، يسمونها ب » المس » او الفساد ، بعد دلك يؤخد الجلد مرة اخرى الى ( ازكي) و يتم غسله بالضغط عليه بالرجلين لازالة ما علق به.
كما تستخدم هنا عملية » اركال » : وهي ان تقوم مجموعة من الافراد بالمشي بشكل دائري و بالتناوب على الجلد مع الضغط عليه بالقدمين، و بعد دلك يوضع الجلد في حوض دائري يسمى » القصرية » مليئ بالماء و براز الحمام » البزق » ويبقى الجلد فيه ما بين ثلاثة و أربعة أيام إذا كان الطقس حارا ، و إدا كان باردا حولي اسبوع.
بعد ذلك يعاد الى ازكي حيث يغسل من اثار البزق ، بعد دلك يوضع في حوض مليئ بنخالة الدقيق ، ويتم تمريغ الجلد فيه ، وهده العملية يتكفل بها » المعلم » ، وتعتبر هده المرحلة لدى الدباغين هي المرآة التي من خلالها يعرفون هل تمت المرحلة السابقة بدقة ام لا.
و أثناء بقصرية النخالة يغطى ب » اشاضوض » وهو عبارة عن قطعة من الحصير لحمايته من تسرب الريح الى ازكي ، وبعد إخراجه من النخالة يتم رميه في خليط من الماء ومادة » المرموزة » وهي التي تعطي الجلد اللون الأحمر.
بعد ذلك ينشر في بقعة نقية تسمى ب » أسفسر » ليس فيها الى التبن فقط، و بعد تجفيفه بأشعة الشمس يتم حكه بقطعة من كيس خشن، لإزالة الأطراف الصغيرة ليكسب الجلد نوعا من البريق. وهنا تأتي عملية » أصواف » وفيها يبلل الجلد بإستعمال قطعة من الصوف و يبقى مبللا مدة نصف يوم تقريبا، ثم تصل مرحلة » الخطر » و فيها يحط الجلد أو يبرد بمبرد خاص يسمى » الصدرية » وهي نوعان: » الصدرية الماضية » أي الحادة ويبرد بها الجلد بغية جعله رقيقا و أقل سمكا، أمل النوع الثاني » الصدرية الحافية » أي أقل حدة
، ويبرد بها الجلد بغية جعله كبير السمك، وبهذا يكون الجلد قد اكتملت دباغته و أ صبح صالحا للإستعمال و تسمى نهاية الدباغة في إصطلاح الدباغين ب » الطلوع » أي أصبح جاهزا.
المصدر : بعض حرف الصناعة التقليدية بتارودانت.